الشيخ سيدي قاسم الخصاصي
نسبه : أبو الفضل سيدي قاسم بن الحاج قاسم بن قاسم الخَصاصي شريف يمني الجذور أندلسي الأصول، و هو فاسي دارا ومولدا ومنشأ وضريحا. وقولنا: الخصاصي. نسبة إلى: خصاصة باليمن. وتنسب لأسرته كذلك خصاصة وهي مدينة على شاطيء البحر بجبل قلعية بالريف المغربي، ذات مياه وأجنة، لا عمارة بها الآن. كان بها سلفه، وكان لهم بها شهرة في الولاية و العلم، ثم انتقلوا عنها بعد خلائها إلى الجبل المذكور، ثم إلى فاس. وحكي عنه أنه قال: "نحن من الأندلس؛ كان سلفنا هناك قبل ورودهم على قلعية"
كنيته : ابوالفضل.
لقبه : الخصاصي، الفاسي.
ولادته : ولد بفاس ولد رحمه الله في حدود (1002هـ)
وفاته : توفى في وسط ليلة الأحد التاسع عشر من شهر رمضان سنة (1083هـ).
أولادة : احمد وعلي
زاوويته : زاويته زاوية شيخه سيدي محمد بن عبدالله التي باقصى حومة المخفية وبها تسمى حي رأس الزاوية في مدينة فاس
مؤلفاته : غير معروف
ترجم في :
الزهر الباسم في مناقب الشيخ سيدي قاسم pdf (طبع الزاوية)
كراماته:
قال في " الإلماع "
" ويكفي في سموُّهِ وعلوِّ قدرهِ تَخرُّج سيِّدنا أحمد بهِ وتربيتهِ وتهذيبهِ به فلنقتصر مِن كراماته على تلك الكرامة العظيمة فهي أعظم أية على طريقهِ المُستقيمة وتقدَّم آنفاً قوله في " المقصد "
" وله كرامات كثيرة ومكاشفات غزيرة ورأيت جملة منها بخطِّ عمِّ والدنا العلاَّمة الثبت الثقة الضابط أبي عبد الله مُحمَّد العربي رحمه الله
منها أنه كان حُبس المطر فلم ينزل وضجر الناس فقال يوماً
" إنَّ المطر ينزل اليوم "
فوقع كما أخبر ونزل المطر ذلك اليوم.
قال سيِّدي أحمد بن عبدالله من أصحاب سيِّدي قاسم بعد حكايته ذلك عن شيخه سيِّدي قاسم إنه لا يخبر بالشيء ويعين وقت وقوعه إلا مَن كان من الأولياء الأكابر.
قال مُقيده عفا الله عنه وقوله تعالى
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ... ([1])
وقوله تعالى
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ([2])
قال المُحقِّقون, الذي اختصَّ الله به العلم الذي يستحيل تخلُّفه ويمثَّلُ له في الحادث بأنه العلم الذي يلازمه الجزم والمُطابقة والدَّليل وإلَّا فهو صفته القديمة وليس هذا محل تعريفه, والذي يقع للصَّالحين علمٌ لا يلازمه شيءٌ من ذلك وقد توجد معه الثلاث أو بعضها من غير لزوم وحيٌ نزل عن مرتبة العلم فالآية على عمومها وليس فيها ما ينفي وقوعه للصَّالحين وهو ناشئٌ عن التحديث أو الالقاء في الرَّوع أو غير ذلك وَزلَّ في هذا أقوام.
ومنها أنه كان ماراً بالطريق فنزل مطر كثيرٌ وحجر عظيم لم يعهد مثله فصاح صيحةً حاليةً قائلاً
" يكفي "
أي أكفف فاقلع المطر والحجر في الحين وتقدَّم توجيهه وما قال الشَّيخ سيِّدي عبدالرَّحمن للمُنكر عليه.
ومنها أنه كان يوماً بحانوته وكان قد احتبس المطر واحتاج الناس إليه كثيراً فاعتراه حال عظيم ووثب من حانوته إلى الأرض ورمى بما كان في يده من آلة الخدمة وصاح
" لا اعطيتنا الشتاء إلَّا الآن "
فنزل المطر في الحين وهو في مكانه ذلك لم يصعد إلى حانوته وأغاث الله البلاد ورحم بمنِّه العِباد.
ومنها أنه جاء بعض التُجَّار يوماً وهو الحاج أحمد بن حيُّون المعروف بالسُّوداني رحمه الله يستشيره في الذهاب إلى بلاد السودان بقصد التجارة فقال له
" اذهب لا بأس عليك ليس هناك ما يشوشك تذهب وترجع سالماً إن شاء الله تعالى فإنَّ طريق السودان كلها قدامي انظر إليها هكذا فبسط كفَّهُ ناظراً إليه "
ثم ذهب إلى بلاد السودان وبقيَ بها مُدةً ورجع إلى فاس ولم يلقَ في ذهابه وإيابه ما يضرُّهُ.
ومنها أنه كان يخدم مرة بالفأس بوطن ابن مسفر يزرعُ زرعاً له فخطر بباله أنه يضرب بالفأس ويجد كنزاً فضرب في الحين فوقع الفأس على لبنة فاقتلعها فإذا تحتها وعاء مملوء دنانير ذهباً وهو المعروف عندنا بالطَّنجية فردَّ اللَّبنة إلى مكانها في الحين وانصرف وترك ذلك زُهداً فيه مع أنه كان حي في إقلالٌ عظيم مِن الدُّنيا ونفعنا به آمين.
ومنها أن مُحمَّد بن سليمان الأقرع اللَّمطي حاكم أهل فاس ورئيسهم حَلَف ليلة ليهدمنَّ زاوية الشَّيخ سيِّدي عبدالرَّحمن بن مُحمَّد الفاسي فصاح سيِّدي قاسم من ذلك العهد وهو في حزب الغداة قائلاً
" اليوم يُقطع رأس بن سليمان "
ثم اتَّفق أن خرجَ ابن سليمان ذلك اليوم إلى قتال أهل فاس الجديد وسلطانهم وكان أهل فاس ثاروا عليه ونبذوا دعوته فما رَجع إلَّا مقطوع الرأس ومات ميتةً جاهلية ودُفن بلا رأس والعياذُ بالله.
قال مُقيدهُ عفا الله عنه
" وتقدَّمت هذه في كلام صاحب " المقصد " وأُبهمَ المقتول هناك وهو الأحوط خروجاً من عهدة تعيينه تورعاً أن يكون غيبةً, وقد صرَّح العلماء أن لا غيبة في مثل هذا لأنه مجاهر بالكبائر وذكره مُعيَّناً أقوى في الاعتبار والتحذير مِن التَّعرُّض لِحُرم الله ومُسلَّمٌ أنه بأجله ومستحيل عدم وقوع ذلك به لكن الشأن أن جعله الله نكالاً لأهل مشاقة أولياءه وأخَذَه أخذاً وبيلاً وبالعتو على أهل أصفيائه واجتبائه إذ سبقت لهم من الله العِناية، وتدميره بسبب أهل الغواية وهذه سنَّةُ الله في القرون السابقة والأمم الماضية فكم من جبَّارٍ انتُقمَ منه بطغيانه فأصبح مقطوعاً دابره بدار هوانه " انتهى.
أخرج البخاري عن أبي هُريرة قال, قال رسولُ الله
" إنَّ الله تعالى قال مَن آذى لي ولياً فقد آذنتهُ بالحرب "
وسيأتي, وأخرج الطبراني في أوسطه عن أنس قال
قال رسول الله
" مَن آذى مُسلِمَاً فقد آذاني ومَن آذاني فقد آذى الله "
فكيف بمن آذى خلاصة المسلمين ولبابهم وعيون الوجود ووجود العيون من ذوي الفضل والجود، وهذه كرامةٌ لسيِّدنا قاسم خصوصاً من حيثُ الكشف والاخبار بالغيب وله ولشَّيخه سيِّدي عبدالرَّحمن وسائر أهل الزاوية من حيث الاعتناء بهم والانتصار لهم عموماً.
ومنها أنه كان في الزمن الذي كان فيه القتال بين الأندلس واللَّمطيين يكون بحانوته والناس في عافية وأمان فيعتريه الحال ويذهب من حانوته وهو يقول
" الشَّرُ الشَّر "
فبالقرب من ذلك يقع القتال بين الفريقين تكرَّر ذلك غير ما مرَّة.
ومنها أنه لمَّا كان الغلاء المعروف بعام الشراط وطال على الناس انقضاؤه وضجروا وكان بقيَ أربع سنين فقال سيِّدي قاسم يوماً
" إنَّ هذا الغلاء قد تم وذهب وانقضى أمده "
فقال بعض الناس " يا سيِّدي إنه باقي "
فقال له
" لا إنه مضى وذهب وإنهم يعني أهلُ الله قتلوه وأنا ضربتُ معهم فيه بيدي "
فبالقرب من ذلك جاء وقت الصيف وكثُر الزَّرع ورَخص وذهب كما أخبر .
ومنها أنَّ الحاج الأبر أبا عبدالله مُحمَّد بن مُحمَّد البكَّاري مرِض بالحمَّى مرضاً شديداً ألزمه الفراش وبقى بها ستة أشهر حتى ذهبت قواه وأوهنت عظمه وصار كالخيال والموت أقربُ إليه من الحياة فكان إذا ذُكرت حالته لسيِّدي قاسم يقول
" إنه لا يموت من ذلك المرض ويقول هل عنده شيءٌ من القمح "
فيُقال إنه عنده سلَّة منه فيقول
" لا يبرأ إلَّا إذا أتمَّها بالمأكل "
فبقى مريضاً يأكل أهله وعياله من ذلك القمح وربما يتصدَّق منه حتى فنى ولم يبق منه شيء ذهبت عنه الحُمَّى كما قال.
ومنها إنَّ أبا عبدالله البكَّاري المذكور ذهب إلى بلاد بني واريش لبعض معارفه فاتَّفق أن ثار أهلُ فاس على السلطان مولانا اسماعيل وقتلوا قائدهُ زيدان وتحصَّنوا بمدينتهم وأحدق بها الجيش من كل ناحية يُقاتلون أهلها فجاء أقاربه إلى سيِّدي قاسم وأخبروه بذلك وخافوا عليه خوفاً شديداً أن يأتي فيُقتل فقال
" لا تخافوا عليه فإنه لا يضره شيء وسيجيئ "
فكان كما قال وقدِم على فاس بعد مضي ثلاثة أيام ولم يلقَ في طريقه ما يضيرهُ.
ومنها أنَّ أبا عبدالله البكَّاري المذكور لمَّا أتى سيِّدي قاسماً بعد غيبته وسلَّمَ عليه قال له سيِّدي قاسم
" أرأيت يا فلان ما فعل هؤلاء من ثورهم على السلطان والله إنهم يرجعون إلى يده يعني يملكهم ويكونون تحت حكمه وطاعته كما كانوا أولاً "
فكان كما أخبر.
ومنها أنه كان جار لبعض أصحابه يؤذيه ويتطلَّع من داره عليه بقصد الاستشراف على أهله وعياله يُقال له الزَّريسي فنهاه عن فعله ذلك مراراً فلم يفعل وبقيَ على حاله ولمَّا رآه لم ينتهِ غضب غضباً مفرطا وأخذ سيفه وذهب ليقتله يفتش عليه فلم يجده, ثم سكن غضبه ورجع عن ذلك فمرَّ بسيِّدي قاسم وهو بحانوته فلما أشرف عليه قال له
" ما عندك " ؟
فقال له " ما عندي بشيء يا سيِّدي "
وكتم ذلك عنه حياء منه فقال له موبخاً له ومُنكراً عليه
" أصرنا سيَّافًا نقتل الناس ما هذا الفعل الذي أردت أن تفعل "
وجعل يخاصمه فكاشفه بذلك ولم يكن علِم به أحدٌ من الخلق، ثم بعد بثلاثة أيام بينما الرجل صاحب الإذاية ذاهب وإذا بثورٍ ضربه بقرنه في فخذه فجرحه وحُمل إلى داره فلم يبقى إلَّا أياماً قلائل وتوفي عفا الله عنا وعنه.
ومنها أنه كان مرة جالساً بمعصرة سيِّدنا أحمد بن عبدالله مع أصحابه فتكلموا في شأن الرؤساء الثلاثة القائد أحمد بن صالح والقائد مُحمَّد الصغير وحاكم فاس الجديد أحمد الدريدي فصاح
" لا بقيت معهم وأنا تاركطة التي لهم "
فقيل له إنَّ الدريدي عليه أسوار أربعة، سورٌ من الماء، وسوران من البنيان، وسورٌ من الرجال فقال
" وأنا أدخل عليه الخامس "
وقال مرةً " ها مولاي الرشيد جاءهم "
فظهر مقتضى قوله ومصداق فعله وأتى السلطان مولاي الرشيد بعد ذلك بثلاثة أشهر وقبض عليهم وقتلهم صبراً، نسأل الله العافية بمنِّه.
وتاركطة حيوان معلوم له جُرأةٌ وأقدام واحتيال يتسور الديار ويفترس الدجاج والحمام.
ومنها أنه كان يكون بداره ليلاً فتنبعث منه أشعة النور ويفيض منه حتى يمتلئ عليه البيت نوراً بحيث لو سقطت إبرة صغيرة جداً بالأرض لرأيتها من كثر النور, وذلك ممَّا يدلُّ على قوة حالته النورانية وفيضانها حتى يظهر أثرها للعَيان, كان يقع له ذلك عند إرادة قيام الليل لنافلةٍ ونحوها حتى شاهد ذلك مَن معه ممَّن هو مع حسِّه.
ومنها أنه كان بعض شرفاء سجلماسة يتردَّد إلى زيارته فقيل أن سيِّدي قاسماً يكره فلانا لبعض العلماء فانقطع الشريف عن الاتيان إليه وجعل إذا مرَّ به يعرض بوجهه عنه ولم يكلمه فرآه يوماً سيِّدي قاسم فسأله عن انقطاعه عنه فقال له
" إنك تكره سيِّدي فلانا العالم المذكور "
فحلف له أنه ليُحبُّهُ وما كرههُ فذهب الشريف ولم يقبل ذلك منه فبقى لم يأته مدة ثم جاءه يوماً في قلق وانزعاج وقال
" يا سيِّدي أعطني يدك أُقبلها إني رأيت رسول في المنام وهو واضعٌ يده على رأسك وهو يقول لي
" هذا الخرَّاز متاعنا "
ثم عاد الشَّريف إلى زيارته كما كان أولاً وبقيَ يتردَّد إليه وزال ما به بسبب تلك الرؤية الكريمة.
ومنها أنه كان يشمُّ رائحة الفجر فيُخبر به فيؤذن المؤذن وقد تقدَّم ذكره وإنَّ مثله كان يقع لسيِّدي أبي يعزى ، والحديث لا يشمُّها إلَّا نبي أو صديِّق.
ومنها وهي أعمَّها وأعظمها ما كان يفتح على يده للخلائق من الخيرات وقد تقدَّم.
قال ابن عطاء الله
" وليس مَن تُفتح له الدُّروب والأبواب كمن تفتح على يده القلوب والألباب ".
ومنها ما فتح على يده لسيِّدنا أحمد من الأسرار، وما لاحت له من جانبه من الأنوار، وما طلعت به من الشموس والأقمار، ومن أسراره الباهرة وآياته الظاهرة وأرضاه أنه كان إذا جلس سيّدِنا أحمد بن عبدالله قدامه يغيب ويستحي ولا يبقى له وجود ويغلب على وجهه الاحمرار حتى يصل إلى الزرقة وبعد ذلك لم يبق شيءٌ من ذلك بل صار يكلمه بأدب ووقار وتعظيم من الحضور.
وقد خدمه سيِّدنا أحمد خدمة عظيمة فكان يقيم داره من كل ما يحتاج إليه قمحاً وإداماً وكُسوةً له ولأولاده ويتحرَّى في الانفاق أنفس الأشياء ويخزن لهم كل ما يحتاجون إليه من ذلك ولا يدعهم من الضروريات ولا من التكميليات ولا من المباحات فيأكلون ويطعمون ويُنفق على أخت الشَّيخ وأولادها ويتعاهد الجميع.
وكان الشَّيخ كثير الاضياف من الرجال والنساء فيُقيمهم في وقت المسغبة والصاع بخمس أواق فيقول
" الليلة يبيتُ عندنا أصحابنا أو غيرهم "
فيقول نعم يا سيِّدي ويقيمهم ممَّا يحتاجون إليه, وغرسَ له أجنَّةً بلمطة وبنى له دياراً ووهب لولديه داراً ورِثها عن آبائه هي الآن في مُلك أولاد الشَّيخ وزوَّجه وزوَّج بنيه وبناته وذلك كُله مُقرَّر ومبسوط في " الالماع والمقصد ".
والحاصل إنَّ خدمته له أمرٌ خارقٌ للعادة ممَّا تقصُر عنه الافادة وذلك كله من بركة الشَّيخ صرَّح به سيِّدنا أحمد مِراراً ثم من بركة سيِّدنا شيخ الشَّيخ سيِّدنا مُحمَّد بن عبدالله ثم من بركة شيخيه الإمامين الأخوين الركنين المُعلمين سيِّدنا أبي زيد عبدالرَّحمن وسيِّدنا يوسف الفاسيين ثم من بركة أشياخهما وهلُمَ جرة جعلنا الله في حماهم آمين.
[1] . لقمان 34
[2] . الجن 26
الشيخ سيدي قاسم الخصاصي
نسبه : أبو الفضل سيدي قاسم بن الحاج قاسم بن قاسم الخَصاصي شريف يمني الجذور أندلسي الأصول، و هو فاسي دارا ومولدا ومنشأ وضريحا. وقولنا: الخصاصي. نسبة إلى: خصاصة باليمن. وتنسب لأسرته كذلك خصاصة وهي مدينة على شاطيء البحر بجبل قلعية بالريف المغربي، ذات مياه وأجنة، لا عمارة بها الآن. كان بها سلفه، وكان لهم بها شهرة في الولاية و العلم، ثم انتقلوا عنها بعد خلائها إلى الجبل المذكور، ثم إلى فاس. وحكي عنه أنه قال: "نحن من الأندلس؛ كان سلفنا هناك قبل ورودهم على قلعية"
كنيته : ابوالفضل.
لقبه : الخصاصي، الفاسي.
ولادته : ولد بفاس ولد رحمه الله في حدود (1002هـ)
وفاته : توفى في وسط ليلة الأحد التاسع عشر من شهر رمضان سنة (1083هـ).
أولادة : احمد وعلي
زاوويته : زاويته زاوية شيخه سيدي محمد بن عبدالله التي باقصى حومة المخفية وبها تسمى حي رأس الزاوية في مدينة فاس
مؤلفاته : غير معروف
ترجم في :
الزهر الباسم في مناقب الشيخ سيدي قاسم pdf (طبع الزاوية)
كراماته:
قال في " الإلماع "
" ويكفي في سموُّهِ وعلوِّ قدرهِ تَخرُّج سيِّدنا أحمد بهِ وتربيتهِ وتهذيبهِ به فلنقتصر مِن كراماته على تلك الكرامة العظيمة فهي أعظم أية على طريقهِ المُستقيمة وتقدَّم آنفاً قوله في " المقصد "
" وله كرامات كثيرة ومكاشفات غزيرة ورأيت جملة منها بخطِّ عمِّ والدنا العلاَّمة الثبت الثقة الضابط أبي عبد الله مُحمَّد العربي رحمه الله
منها أنه كان حُبس المطر فلم ينزل وضجر الناس فقال يوماً
" إنَّ المطر ينزل اليوم "
فوقع كما أخبر ونزل المطر ذلك اليوم.
قال سيِّدي أحمد بن عبدالله من أصحاب سيِّدي قاسم بعد حكايته ذلك عن شيخه سيِّدي قاسم إنه لا يخبر بالشيء ويعين وقت وقوعه إلا مَن كان من الأولياء الأكابر.
قال مُقيده عفا الله عنه وقوله تعالى
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ... ([1])
وقوله تعالى
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ([2])
قال المُحقِّقون, الذي اختصَّ الله به العلم الذي يستحيل تخلُّفه ويمثَّلُ له في الحادث بأنه العلم الذي يلازمه الجزم والمُطابقة والدَّليل وإلَّا فهو صفته القديمة وليس هذا محل تعريفه, والذي يقع للصَّالحين علمٌ لا يلازمه شيءٌ من ذلك وقد توجد معه الثلاث أو بعضها من غير لزوم وحيٌ نزل عن مرتبة العلم فالآية على عمومها وليس فيها ما ينفي وقوعه للصَّالحين وهو ناشئٌ عن التحديث أو الالقاء في الرَّوع أو غير ذلك وَزلَّ في هذا أقوام.
ومنها أنه كان ماراً بالطريق فنزل مطر كثيرٌ وحجر عظيم لم يعهد مثله فصاح صيحةً حاليةً قائلاً
" يكفي "
أي أكفف فاقلع المطر والحجر في الحين وتقدَّم توجيهه وما قال الشَّيخ سيِّدي عبدالرَّحمن للمُنكر عليه.
ومنها أنه كان يوماً بحانوته وكان قد احتبس المطر واحتاج الناس إليه كثيراً فاعتراه حال عظيم ووثب من حانوته إلى الأرض ورمى بما كان في يده من آلة الخدمة وصاح
" لا اعطيتنا الشتاء إلَّا الآن "
فنزل المطر في الحين وهو في مكانه ذلك لم يصعد إلى حانوته وأغاث الله البلاد ورحم بمنِّه العِباد.
ومنها أنه جاء بعض التُجَّار يوماً وهو الحاج أحمد بن حيُّون المعروف بالسُّوداني رحمه الله يستشيره في الذهاب إلى بلاد السودان بقصد التجارة فقال له
" اذهب لا بأس عليك ليس هناك ما يشوشك تذهب وترجع سالماً إن شاء الله تعالى فإنَّ طريق السودان كلها قدامي انظر إليها هكذا فبسط كفَّهُ ناظراً إليه "
ثم ذهب إلى بلاد السودان وبقيَ بها مُدةً ورجع إلى فاس ولم يلقَ في ذهابه وإيابه ما يضرُّهُ.
ومنها أنه كان يخدم مرة بالفأس بوطن ابن مسفر يزرعُ زرعاً له فخطر بباله أنه يضرب بالفأس ويجد كنزاً فضرب في الحين فوقع الفأس على لبنة فاقتلعها فإذا تحتها وعاء مملوء دنانير ذهباً وهو المعروف عندنا بالطَّنجية فردَّ اللَّبنة إلى مكانها في الحين وانصرف وترك ذلك زُهداً فيه مع أنه كان حي في إقلالٌ عظيم مِن الدُّنيا ونفعنا به آمين.
ومنها أن مُحمَّد بن سليمان الأقرع اللَّمطي حاكم أهل فاس ورئيسهم حَلَف ليلة ليهدمنَّ زاوية الشَّيخ سيِّدي عبدالرَّحمن بن مُحمَّد الفاسي فصاح سيِّدي قاسم من ذلك العهد وهو في حزب الغداة قائلاً
" اليوم يُقطع رأس بن سليمان "
ثم اتَّفق أن خرجَ ابن سليمان ذلك اليوم إلى قتال أهل فاس الجديد وسلطانهم وكان أهل فاس ثاروا عليه ونبذوا دعوته فما رَجع إلَّا مقطوع الرأس ومات ميتةً جاهلية ودُفن بلا رأس والعياذُ بالله.
قال مُقيدهُ عفا الله عنه
" وتقدَّمت هذه في كلام صاحب " المقصد " وأُبهمَ المقتول هناك وهو الأحوط خروجاً من عهدة تعيينه تورعاً أن يكون غيبةً, وقد صرَّح العلماء أن لا غيبة في مثل هذا لأنه مجاهر بالكبائر وذكره مُعيَّناً أقوى في الاعتبار والتحذير مِن التَّعرُّض لِحُرم الله ومُسلَّمٌ أنه بأجله ومستحيل عدم وقوع ذلك به لكن الشأن أن جعله الله نكالاً لأهل مشاقة أولياءه وأخَذَه أخذاً وبيلاً وبالعتو على أهل أصفيائه واجتبائه إذ سبقت لهم من الله العِناية، وتدميره بسبب أهل الغواية وهذه سنَّةُ الله في القرون السابقة والأمم الماضية فكم من جبَّارٍ انتُقمَ منه بطغيانه فأصبح مقطوعاً دابره بدار هوانه " انتهى.
أخرج البخاري عن أبي هُريرة قال, قال رسولُ الله
" إنَّ الله تعالى قال مَن آذى لي ولياً فقد آذنتهُ بالحرب "
وسيأتي, وأخرج الطبراني في أوسطه عن أنس قال
قال رسول الله
" مَن آذى مُسلِمَاً فقد آذاني ومَن آذاني فقد آذى الله "
فكيف بمن آذى خلاصة المسلمين ولبابهم وعيون الوجود ووجود العيون من ذوي الفضل والجود، وهذه كرامةٌ لسيِّدنا قاسم خصوصاً من حيثُ الكشف والاخبار بالغيب وله ولشَّيخه سيِّدي عبدالرَّحمن وسائر أهل الزاوية من حيث الاعتناء بهم والانتصار لهم عموماً.
ومنها أنه كان في الزمن الذي كان فيه القتال بين الأندلس واللَّمطيين يكون بحانوته والناس في عافية وأمان فيعتريه الحال ويذهب من حانوته وهو يقول
" الشَّرُ الشَّر "
فبالقرب من ذلك يقع القتال بين الفريقين تكرَّر ذلك غير ما مرَّة.
ومنها أنه لمَّا كان الغلاء المعروف بعام الشراط وطال على الناس انقضاؤه وضجروا وكان بقيَ أربع سنين فقال سيِّدي قاسم يوماً
" إنَّ هذا الغلاء قد تم وذهب وانقضى أمده "
فقال بعض الناس " يا سيِّدي إنه باقي "
فقال له
" لا إنه مضى وذهب وإنهم يعني أهلُ الله قتلوه وأنا ضربتُ معهم فيه بيدي "
فبالقرب من ذلك جاء وقت الصيف وكثُر الزَّرع ورَخص وذهب كما أخبر .
ومنها أنَّ الحاج الأبر أبا عبدالله مُحمَّد بن مُحمَّد البكَّاري مرِض بالحمَّى مرضاً شديداً ألزمه الفراش وبقى بها ستة أشهر حتى ذهبت قواه وأوهنت عظمه وصار كالخيال والموت أقربُ إليه من الحياة فكان إذا ذُكرت حالته لسيِّدي قاسم يقول
" إنه لا يموت من ذلك المرض ويقول هل عنده شيءٌ من القمح "
فيُقال إنه عنده سلَّة منه فيقول
" لا يبرأ إلَّا إذا أتمَّها بالمأكل "
فبقى مريضاً يأكل أهله وعياله من ذلك القمح وربما يتصدَّق منه حتى فنى ولم يبق منه شيء ذهبت عنه الحُمَّى كما قال.
ومنها إنَّ أبا عبدالله البكَّاري المذكور ذهب إلى بلاد بني واريش لبعض معارفه فاتَّفق أن ثار أهلُ فاس على السلطان مولانا اسماعيل وقتلوا قائدهُ زيدان وتحصَّنوا بمدينتهم وأحدق بها الجيش من كل ناحية يُقاتلون أهلها فجاء أقاربه إلى سيِّدي قاسم وأخبروه بذلك وخافوا عليه خوفاً شديداً أن يأتي فيُقتل فقال
" لا تخافوا عليه فإنه لا يضره شيء وسيجيئ "
فكان كما قال وقدِم على فاس بعد مضي ثلاثة أيام ولم يلقَ في طريقه ما يضيرهُ.
ومنها أنَّ أبا عبدالله البكَّاري المذكور لمَّا أتى سيِّدي قاسماً بعد غيبته وسلَّمَ عليه قال له سيِّدي قاسم
" أرأيت يا فلان ما فعل هؤلاء من ثورهم على السلطان والله إنهم يرجعون إلى يده يعني يملكهم ويكونون تحت حكمه وطاعته كما كانوا أولاً "
فكان كما أخبر.
ومنها أنه كان جار لبعض أصحابه يؤذيه ويتطلَّع من داره عليه بقصد الاستشراف على أهله وعياله يُقال له الزَّريسي فنهاه عن فعله ذلك مراراً فلم يفعل وبقيَ على حاله ولمَّا رآه لم ينتهِ غضب غضباً مفرطا وأخذ سيفه وذهب ليقتله يفتش عليه فلم يجده, ثم سكن غضبه ورجع عن ذلك فمرَّ بسيِّدي قاسم وهو بحانوته فلما أشرف عليه قال له
" ما عندك " ؟
فقال له " ما عندي بشيء يا سيِّدي "
وكتم ذلك عنه حياء منه فقال له موبخاً له ومُنكراً عليه
" أصرنا سيَّافًا نقتل الناس ما هذا الفعل الذي أردت أن تفعل "
وجعل يخاصمه فكاشفه بذلك ولم يكن علِم به أحدٌ من الخلق، ثم بعد بثلاثة أيام بينما الرجل صاحب الإذاية ذاهب وإذا بثورٍ ضربه بقرنه في فخذه فجرحه وحُمل إلى داره فلم يبقى إلَّا أياماً قلائل وتوفي عفا الله عنا وعنه.
ومنها أنه كان مرة جالساً بمعصرة سيِّدنا أحمد بن عبدالله مع أصحابه فتكلموا في شأن الرؤساء الثلاثة القائد أحمد بن صالح والقائد مُحمَّد الصغير وحاكم فاس الجديد أحمد الدريدي فصاح
" لا بقيت معهم وأنا تاركطة التي لهم "
فقيل له إنَّ الدريدي عليه أسوار أربعة، سورٌ من الماء، وسوران من البنيان، وسورٌ من الرجال فقال
" وأنا أدخل عليه الخامس "
وقال مرةً " ها مولاي الرشيد جاءهم "
فظهر مقتضى قوله ومصداق فعله وأتى السلطان مولاي الرشيد بعد ذلك بثلاثة أشهر وقبض عليهم وقتلهم صبراً، نسأل الله العافية بمنِّه.
وتاركطة حيوان معلوم له جُرأةٌ وأقدام واحتيال يتسور الديار ويفترس الدجاج والحمام.
ومنها أنه كان يكون بداره ليلاً فتنبعث منه أشعة النور ويفيض منه حتى يمتلئ عليه البيت نوراً بحيث لو سقطت إبرة صغيرة جداً بالأرض لرأيتها من كثر النور, وذلك ممَّا يدلُّ على قوة حالته النورانية وفيضانها حتى يظهر أثرها للعَيان, كان يقع له ذلك عند إرادة قيام الليل لنافلةٍ ونحوها حتى شاهد ذلك مَن معه ممَّن هو مع حسِّه.
ومنها أنه كان بعض شرفاء سجلماسة يتردَّد إلى زيارته فقيل أن سيِّدي قاسماً يكره فلانا لبعض العلماء فانقطع الشريف عن الاتيان إليه وجعل إذا مرَّ به يعرض بوجهه عنه ولم يكلمه فرآه يوماً سيِّدي قاسم فسأله عن انقطاعه عنه فقال له
" إنك تكره سيِّدي فلانا العالم المذكور "
فحلف له أنه ليُحبُّهُ وما كرههُ فذهب الشريف ولم يقبل ذلك منه فبقى لم يأته مدة ثم جاءه يوماً في قلق وانزعاج وقال
" يا سيِّدي أعطني يدك أُقبلها إني رأيت رسول في المنام وهو واضعٌ يده على رأسك وهو يقول لي
" هذا الخرَّاز متاعنا "
ثم عاد الشَّريف إلى زيارته كما كان أولاً وبقيَ يتردَّد إليه وزال ما به بسبب تلك الرؤية الكريمة.
ومنها أنه كان يشمُّ رائحة الفجر فيُخبر به فيؤذن المؤذن وقد تقدَّم ذكره وإنَّ مثله كان يقع لسيِّدي أبي يعزى ، والحديث لا يشمُّها إلَّا نبي أو صديِّق.
ومنها وهي أعمَّها وأعظمها ما كان يفتح على يده للخلائق من الخيرات وقد تقدَّم.
قال ابن عطاء الله
" وليس مَن تُفتح له الدُّروب والأبواب كمن تفتح على يده القلوب والألباب ".
ومنها ما فتح على يده لسيِّدنا أحمد من الأسرار، وما لاحت له من جانبه من الأنوار، وما طلعت به من الشموس والأقمار، ومن أسراره الباهرة وآياته الظاهرة وأرضاه أنه كان إذا جلس سيّدِنا أحمد بن عبدالله قدامه يغيب ويستحي ولا يبقى له وجود ويغلب على وجهه الاحمرار حتى يصل إلى الزرقة وبعد ذلك لم يبق شيءٌ من ذلك بل صار يكلمه بأدب ووقار وتعظيم من الحضور.
وقد خدمه سيِّدنا أحمد خدمة عظيمة فكان يقيم داره من كل ما يحتاج إليه قمحاً وإداماً وكُسوةً له ولأولاده ويتحرَّى في الانفاق أنفس الأشياء ويخزن لهم كل ما يحتاجون إليه من ذلك ولا يدعهم من الضروريات ولا من التكميليات ولا من المباحات فيأكلون ويطعمون ويُنفق على أخت الشَّيخ وأولادها ويتعاهد الجميع.
وكان الشَّيخ كثير الاضياف من الرجال والنساء فيُقيمهم في وقت المسغبة والصاع بخمس أواق فيقول
" الليلة يبيتُ عندنا أصحابنا أو غيرهم "
فيقول نعم يا سيِّدي ويقيمهم ممَّا يحتاجون إليه, وغرسَ له أجنَّةً بلمطة وبنى له دياراً ووهب لولديه داراً ورِثها عن آبائه هي الآن في مُلك أولاد الشَّيخ وزوَّجه وزوَّج بنيه وبناته وذلك كُله مُقرَّر ومبسوط في " الالماع والمقصد ".
والحاصل إنَّ خدمته له أمرٌ خارقٌ للعادة ممَّا تقصُر عنه الافادة وذلك كله من بركة الشَّيخ صرَّح به سيِّدنا أحمد مِراراً ثم من بركة سيِّدنا شيخ الشَّيخ سيِّدنا مُحمَّد بن عبدالله ثم من بركة شيخيه الإمامين الأخوين الركنين المُعلمين سيِّدنا أبي زيد عبدالرَّحمن وسيِّدنا يوسف الفاسيين ثم من بركة أشياخهما وهلُمَ جرة جعلنا الله في حماهم آمين.
[1] . لقمان 34
[2] . الجن 26